تحرص الدول النفطية، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، على جودة الإنتاج، وما يسبقه من تحضير يمهد لدقة الأداء، إذ يتعلم الجيولوجيون في الجامعات أبجديات التقييم الفعال للأنظمة الجيولوجية النفطية، وذلك عبر خطوات انتقائية دقيقة تُطبَّق على سطح الأرض، وفي باطنها، ويشمل ذلك استخدام مبادئ الكيمياء العضوية والجيوفيزياء، تمهيداً لمرحلة الاستكشاف النفطي. ويتمثل تطبيق الكيمياء العضوية في استخدام ما يسمى المؤشرات الحيوية، أو البصمة الحيوية للمواد العضوية الموجودة في التراكيب الصخرية، التي يُرجح أنها غنية بالنفط في امتداداتها تحت سطح الأرض.
ولتقييم المحتوى المحتمل من النفط والغاز تُحلَّل عينات من المواد العضوية في الصخر، من حيث نوع المؤشر الحيوي، والكمية الكلية للكربون العضوي، وجدواها الاقتصادية، ومؤشر الهيدروجين، فضلاً عن درجة النضج، استناداً إلى مقياس انعكاسية الفيترينايت، وحساب نسبة محتوى الفاناديوم إلى النيكل، وكذلك تُدرَس مسارات هجرة النفط للوصول إلى عمليات استخراج أكثر دقة، كما يُدرس محتوى الكبريت.
وتُعدُّ دراسة المؤشرات الحيوية المفتاح الأساسي في عملية تقييم الأنظمة النفطية، ذلك أن هذه المؤشرات لا يعتريها أبداً أي تغيير في بنية جزيئاتها العضوية الأصلية في الكائنات الحية، برغم مرور ملايين السنين، ولهذا توفر دراستها سجلاً تاريخيّاً متكاملاً للنفط، بدايةً من مرحلة تكوُّنه، ومروراً بهجرته، ووصولاً إلى ما حدث للمادة العضوية في التاريخ الجيولوجي حتى الوقت الحالي، ما يقدم فرصة جيدة لعمليات استكشافية دقيقة للنفط.
وتشمل دراسة المؤشرات الحيوية أيضاً تصنيف الكيروجين، وهو المادة الخام الأولى التي يتولد من نضجها النفط والغاز، وينقسم إلى أربعة أنواع: الأول يُعد الأعلى من ناحية الجودة، ويدل على تكون النفط من مواد عضوية تنتمي إلى الطحالب التي تعيش في المياه العذبة، وتطغى على تكوينها الطبيعي الدهون المهمة لجعل النفط ذا جودة عالية. أمَّا النوع الثاني، فيوجد غالباً في المادة العضوية المتكونة من الطحالب التي تعيش في المياه المالحة، ويتسم هذا النفط بجودة كبيرة. ويشير النوع الثالث إلى وجود أعلى للغاز الطبيعي، وندرة النفط فيه. ويأتي النوع الرابع في المرحلة الأخيرة نتيجة تدهور المادة العضوية واستحالة استخراج نفط أو غاز منها. ويسهم تصنيف الكيروجين في تقييم حالة المادة العضوية، وتحديد الجدوى الاقتصادي لعملية الحفر من عدمها.
كما يُستخدَم مقياس انعكاسية الفيترينايت لتحديد درجة نضج المادة العضوية، وتُفسَّر القيمة العليا بدرجة نضج أعلى، لأن التراكيب الكيميائية تصبح أكثر ترتيباً وانتظاماً مع زيادة درجات الحرارة (خاصة بين 60 و200 درجة سيليزية)، ما يؤدي إلى ارتفاع أكبر في اختبار انعكاسية الفيترينايت. أما القيم المنخفضة جدّاً، فتدل على نضج غير كافٍ للمواد العضوية الموجودة في الصخر الأم، وعدم جدواها الاقتصادية. وتمهد دراسات الكيمياء العضوية لعمليات حفر أكثر نجاحاً، ولذا يجب الأخذ بها بصفتها خطوة أولى لانتقاء مناطق الاستكشاف الجيوفيزيائي، والحفر الاستكشافي للوصول إلى نتائج أكثر دقةً، وأعلى جودة.
*أستاذ مشارك في قسم علوم الأرض، مدير المركز الوطني للمياه والطاقة - جامعة الإمارات العربية المتحدة